مؤرض
زفرت قليلًا واستدارت لتنظر إلى النافورة، وانعكست ألسنة اللهب الأرجوانية على سطح عينيها الفضيتين. “ربما ذات يوم، عندما كانت عشيرة إنثيراه أختًا لعشيرة إندرات، كان أسلافي ليصروا على الاعتراف بالطبقة النبيلة، لكن مر وقت طويل منذ أن اعتُبر أي تنين ليس من عشيرة إندرات نبيلًا.”
الفصل 484: الأرض
توقفت التعويذة الأثيرية عند ندائي، وتلاشت الغرفة الحجرية العارية بينما كنت أبتعد عن قوة كيزيس، مثبتًا نفسي بقوة في حديقة إيفربورن. عندها فقط التفت لأرى سيد التنانين، لاحظت الارتعاشة الطفيفة في حاجبيه. “لماذا لا نطير؟ جبل جيولوس قريب بما فيه الكفاية، وأود أن أرى المزيد من أرضك الأرض.”
آرثر ليوين
سرت في جسدها قشعريرة متوترة. قالت وهي تلهث بصوت مرتجف من الإثارة والتوتر، “لا تتركني.”
مع شروق شمس إيفيوتان، انضممتُ إلى العديد من التنانين الذين تجمعوا للتأمل حول النافورة التي منحت مدينة إيفربورن اسمها. في الأيام الأولى، كنت أراقب التنانين حولي، مفتونًا بتنوعها. جعلتني هذه المدينة أدرك كم رأيت القليل من عالم الأزوراس. لكن الآن، مع إحساس “مناورة الملك” المحترق على أسفل ظهري، كنت أنتبه لمحيطي بجزء محدود من وعيي، وكان ذلك فقط لضمان سلامتي وليس للتحديق في الأزوراس.
سرت في جسدها قشعريرة متوترة. قالت وهي تلهث بصوت مرتجف من الإثارة والتوتر، “لا تتركني.”
كان معظم جهدي الواعي موجهًا نحو النافورة. كان الأثير بداخل دائرة من الأحجار بعرض ثلاثين قدمًا كثيفًا لدرجة أنه تجمّع مثل الماء الذي يتدفق من بئر عميق. وفقًا للسكان المحليين، فإن البئر قد اخترق حدود العالم، مما يسمح للأثير بالتسرب من خارج حدود إيفيتوس؛ عالم الأثير. يُعد دخول نافورة إيفربورن بمثابة تدنيس، لكن هذا لم يمنعني من معرفة ما إذا كانت الأسطورة تستند إلى الحقيقة.
تجعدت عيناها في الزوايا من البهجة. “لقد أخذتَ قسطًا من الراحة في قريتي منذ أيام، واستمديتَ قوتك من نبعتي، ومع ذلك لا تعرفني؟ سأشعر بالإهانة، إذا لم أكن أعرف أنك قد عُزلتَ عن هذه المعرفة عمدًا. لا شك أن السيدة إندرات كانت لديها أسبابها، لكنها أيضًا لم تمنعني من التحدث إليك. اسمي برياه من عشيرة إنثيراه، وإيفربورن هي منطقتي.”
من السائل الزائف المغلي، كانت تتصاعد نفاثات رفيعة من النار الأرجوانية مثل الينابيع الحارة. ترتفع هذه النفاثات تتصاعد لأكثر من عشرة أقدام، ثم تتلاشى حتى تصبح بضعة أقدام فقط، ثم تتصاعد مرة أخرى. كان هناك نمط معقد لتلك الاندفاعات، مصحوبًا بنبع ماء مفرد في وسط النافورة الأثيرية المحترقة التي كانت ترتفع بانتظام إلى أكثر من عشرين قدمًا فوق رؤوسنا. كان كل توهج مصحوبًا بتدفق الأثير، وكان هذا التدفق هو ما جمع التنانين للتأمل تحته.
“نعم، إنه مثير للإعجاب حقًا.”
لم يكن بإمكان التنانين امتصاص الأثير مثلي، لكنهم استخدموا مع ذلك التراكم المكثف للطاقة الجوية للتأمل في فنونهم الحيوية والنفسية والفضاءية. جعلت الكثافة في نافورة إيفربورن هذه الممارسة أسهل بكثير، تمامًا كما ساعدتني في عملية إعادة ملء النواة المكونة من ثلاث طبقات بعد استنزافها إلى حد رد الفعل العكسي.
دارت عينيها وقالت، “ها أنت ذا، مرة أخرى، تتحدث عن الأميرة. نادني تيس، أو تيسيا، أو… محبوبتي، ربما. أي اسم آخر غير الأميرة، وإلا فسأختار اسم ريجيس لك في المقابل.”
“لقد عدتَ مرة أخرى، يا إنسان.”
تقدمتُ للأمام وأمسكت بها بسلاسة قبل أن ترتطم بالأرض. ارتعشت شفتاي من شدة الانفعال. “لقد قمت بعمل رائع، تيس. حقًا. كان ذلك-”
ألقيت نظرة على المتحدثة، وهي امرأة ذات شعر وردي، ولو كانت بشرية، لَبدت في منتصف العمر. كانت قشورها لامعة وأفتح قليلًا في اللون.
كانت بشرتها البيضاء أكثر بياضًا من لونها الطبيعي الذي يحيط بعينيها ويمتد على وجنتيها حتى في هيئتها البشرية. كنت أراها عند النافورة كل صباح، لكنها لم تتحدث إليَّ من قبل.
السلام عليكم شباب، معكم المترجم الجديد، سأمسك العمل لفترة، إذ ان سكرب – المترجم السابق – انسحب من الترجمة. لمن لا يعرفني فقد ترجمتُ “عرش الحالم” “حكايات عائد لانهائي” “جمرات البحر العميق” “بعض من فصول القس المجنون” “أسطورة النصل الشمالي” “سيادي الحكم”.
ركعتُ على ركبتيّ على بعد بضعة أقدام خارج حلقة الأحجار قبل أن أتحدث إليها. “يجب أن أنهي تأملي هذا الصباح، وبعد ذلك لن أزعج مدينتكم أكثر.” لم أذكر أنني كنت لا أزال هنا لأن كيزيس لم يرَ أنه من المناسب أن يأخذني بعد. قالت ماير فقط إنه ينبغي لي أن أستريح وأتعافى، وعندما أكون مستعدًا، سيلتقي بي زوجها.
أغمضتُ عينيّ، وسعيت إلى الأثير، وجذبته إلى نواتي. وأدى إحساسي به إلى طاقة مجددة ويقظة مشرقة.
بوضع خصلة من شعرها الرمادي خلف أذنها، ابتعدت عن تيسيا. “يبدو أننا سنضطر إلى مواصلة هذا الدرس لاحقًا. ربما تستطيع سيلفي أن تقدم لكِ المزيد من التعليمات في غيابي.”
احتكت أقدام خشنة بالبلاط المرصوف، واستقر حضور قوي بجانبي. “امتصاصك للأثير هنا كان مصدرًا للتفكير العميق بيننا. هناك من يرون ذلك تدنيسًا.”
كان الفرع الأساسي من أفكاري موجهًا نحو الداخل، مركَّزًا على امتصاص وتنقية الأثير. ومع ذلك، حتى مع بضعة خيوط فقط من مناورة الملك، تمكنت من البقاء منتبهًا إلى الأزوراس بما يكفي لسماع السؤال في كلماتها. “تريدين أن تفهمي كيف يكون الأمر بالنسبة لي.”
“أود ذلك، نعم،” قالت، وشوب صوتها لمحة من الابتسامة. “لا يمكننا الحكم على أفعالك إذا لم نفهمها، وأفعالك هي نوع من السحر لم يره حتى أكبرنا سنًا من قبل.”
لقد لفت انتباهي شيء ما في فضولها. “ألا تخشي إغضاب سيدك بطرح مثل هذه الأسئلة؟”
انطلق الأثير من قلبي إلى مناورة الملك. لم يكن كافيًا لتفعيل رونية الحاكم بالكامل واستدعاء تاج النور، لكنه كان كافيًا للسماح لأفكاري بالانقسام إلى عدة خيوط فردية. حسبت بسرعة أفضل طريقة للتعامل مع المواجهة.
“لم أطرح أي أسئلة،” أجابت. مسحت قطعة قماش جلدها وهي تهز كتفيها. “نحن نتحدث فقط، ونبحث عن أرضية مشتركة. شارك فقط ما تريد.”
أمسكت بيدي ورفعت نفسها لأعلى، وكانت راحة يدها دافئة على راحة يدي. “بالطبع.”
فكرت في كلماتها، فتوجهت نحوها، وفتحتُ عيني لأجد نظراتها الفضية اللامعة وهي تتأملني بعناية. “من أنت؟”
انتقلت إلى رقعة صغيرة من العشب وسط الزهور والمسارات وعناصر المياه. جلست في وضع القرفصاء، وهدأت ذهني وركزت على جوهر جسدي والأثير الجوي، الذي كان كثيفًا في الهواء. جلست تيسيا أمامي، مقلدة وضعيتي.
تجعدت عيناها في الزوايا من البهجة. “لقد أخذتَ قسطًا من الراحة في قريتي منذ أيام، واستمديتَ قوتك من نبعتي، ومع ذلك لا تعرفني؟ سأشعر بالإهانة، إذا لم أكن أعرف أنك قد عُزلتَ عن هذه المعرفة عمدًا. لا شك أن السيدة إندرات كانت لديها أسبابها، لكنها أيضًا لم تمنعني من التحدث إليك. اسمي برياه من عشيرة إنثيراه، وإيفربورن هي منطقتي.”
دفعتُ الستارة جانبًا، وسرت إلى داخل العقار فقط لأتوقف على الفور، بينما كنت لا أزال أتصارع مع استفزازات والدتي، وفجأة وجدت نفسي تقريبًا وجهًا لوجه مع تيسيا.
انحنيتُ قليلًا. “سيدة إنثيراه. اغفري لي، لم أكن أدرك أنني أتحدث إلى نبيلة.”
أغمضتُ عينيّ، وسعيت إلى الأثير، وجذبته إلى نواتي. وأدى إحساسي به إلى طاقة مجددة ويقظة مشرقة.
زفرت قليلًا واستدارت لتنظر إلى النافورة، وانعكست ألسنة اللهب الأرجوانية على سطح عينيها الفضيتين. “ربما ذات يوم، عندما كانت عشيرة إنثيراه أختًا لعشيرة إندرات، كان أسلافي ليصروا على الاعتراف بالطبقة النبيلة، لكن مر وقت طويل منذ أن اعتُبر أي تنين ليس من عشيرة إندرات نبيلًا.”
تحدثت دون مرارة. في الواقع، شعرتُ بالفخر أكثر من أي شيء آخر في إمالة ذقنها ونبرة صوتها. “لا يتطلب دوري كسيدة إيفربورن أن أكون نبيلة، بل أن أتحدث نيابة عن شعبي وأضمن استمرار رفاهيتهم. في هذه اللحظة، فإن التعرف على تفاعلك مع الأثير هو كيف أفعل ذلك. الآن، اقترحت أنني أريد أن أفهم كيف يكون الأمر بالنسبة لك لامتصاص الأثير لدينا، وقد اعترفت بأنني سأفعل ذلك.”
وبينما أسير عبر شوارع إيفربورن الواسعة باتجاه العقار الذي كنا نقيم فيه خلال الأيام القليلة الماضية، تبعتني عيون كل أزوراس مررت به. وجدت نفسي أدرس توقيعات المانا الخاصة بهم، وأقارن كل واحد منهم بالآخر ثم بتيسيا، التي ظل توقيعها عالقًا في ذهني.
لقد تركت بيانها مفتوحًا، مما دعاني إلى استئناف المحادثة من قبل تشتيت هويتها. “لا يختلف الأمر كثيرًا عن شعورك عند استخدام المانا. أو على الأقل، شعور الإنسان عند استخدام المانا.”
أدركت أنني كنت عابسًا. كنت أفكر في الأحداث التي تسببت في تراجع الأثير عن التنانين، مما قلل من قدرتهم على استخدامه بحرية. حاولت أن أجعل ملامحي ناعمة. “أنا… أعتذر. ما زلت أتعافى من محنة. في بعض الأحيان… يدور ذهني.”
“ولكن ماذا عن الغرض الجوهري للأثير؟” سألتني وهي تتكئ نحوي قليلًا. “ألا تشعر بجاذبية نية الأثير؟”
“لقد عدتَ مرة أخرى، يا إنسان.”
فكرتُ في الأمر متسائلًا عن مدى فهم التنين للطبيعة الحقيقية للأثير، كما تعلمت في حجر الأساس. “لقد شرحت السيدة ماير تجربة التنانين معه بالتفصيل. أنا لا أختبرها بنفس الطريقة.”
‘لست متأكدًا،’ اعترفت بذلك. ‘يبدو أنها حريصة. فضولية. ليست مولعة بجدك بشكل خاص. لماذا؟’
“غريب،” قالت. تتبعت أصابعها الفجوة بين حجرين من حجارة الرصف، وفقدت عيناها التركيز وهي تنظر إلى المسافة المتوسطة. “وهذا بالطبع هو السبب وراء استثمار اللورد إندراث في عالمك. إنه يسعى إلى فهم حقيقي لقدراتك.” ركزت عليَّ مرة أخرى، وعقدت حاجبيها في عبوس خافت. “تتحدث أقدم أساطيرنا عن تنانين يمكنها القيام بما تصفه. ليس… امتصاص الأثير، ولكن استخدامه بسهولة مثل المانا.”
ضحكتُ، وكافأتني بابتسامة صادقة. “أطلبُ منك فقط ألا تتخذي قرارات متسرعة، يا أميرة إيراليث.”
“لقد كان هؤلاء الأزوراس هم من أحضروا أفيتوس إلى هنا من عالمي،” قلت.
أدركت أنني كنت عابسًا. كنت أفكر في الأحداث التي تسببت في تراجع الأثير عن التنانين، مما قلل من قدرتهم على استخدامه بحرية. حاولت أن أجعل ملامحي ناعمة. “أنا… أعتذر. ما زلت أتعافى من محنة. في بعض الأحيان… يدور ذهني.”
“هل هناك خطب ما؟” سألت برياه فجأة. كانت قد انحنت بعيدًا ونظرت إليَّ وكأنني وحش خطير.
“أود ذلك، نعم،” قالت، وشوب صوتها لمحة من الابتسامة. “لا يمكننا الحكم على أفعالك إذا لم نفهمها، وأفعالك هي نوع من السحر لم يره حتى أكبرنا سنًا من قبل.”
أدركت أنني كنت عابسًا. كنت أفكر في الأحداث التي تسببت في تراجع الأثير عن التنانين، مما قلل من قدرتهم على استخدامه بحرية. حاولت أن أجعل ملامحي ناعمة. “أنا… أعتذر. ما زلت أتعافى من محنة. في بعض الأحيان… يدور ذهني.”
بدلاً من ذلك، بقيت صامتًا. هذه رحلتها. أنا… لم يكن عليّ سوى أن أكون حاضرًا.
صفت برياه حلقها ونفضت خصلة من شعرها الوردي عن وجهها. “حسنًا… نعم. بالطبع. سأتركك تتأمل. ربما يمكننا التحدث مرة أخرى. عندما تشعر بتحسن.”
أومأتُ برأسي فقط تعبيرًا عن تقديري قبل أن أعود إلى النافورة. أغمضت عينيَّ مرة أخرى، واستأنفت التركيز على امتصاص الأثير. من بعيد، شعرت بسيدة عشيرة إنثيراه تبتعد.
ضحكتُ، وكافأتني بابتسامة صادقة. “أطلبُ منك فقط ألا تتخذي قرارات متسرعة، يا أميرة إيراليث.”
في غضون ساعة، امتلأ جسدي بالكامل. كان هناك ما يشبه صداع الكحول الذي استمر في جسدي نتيجة لرد الفعل العنيف، ولكنني كنت على يقين من أن هذا الصداع سوف يتلاشى مع الوقت. والأمر الأكثر إرضاءً هو أن حكة جسدي الجريح لم تعد إليه. فقد شُفيت ندبة هجوم سيسيليا.
وبينما أسير عبر شوارع إيفربورن الواسعة باتجاه العقار الذي كنا نقيم فيه خلال الأيام القليلة الماضية، تبعتني عيون كل أزوراس مررت به. وجدت نفسي أدرس توقيعات المانا الخاصة بهم، وأقارن كل واحد منهم بالآخر ثم بتيسيا، التي ظل توقيعها عالقًا في ذهني.
ركعتُ على ركبتيّ على بعد بضعة أقدام خارج حلقة الأحجار قبل أن أتحدث إليها. “يجب أن أنهي تأملي هذا الصباح، وبعد ذلك لن أزعج مدينتكم أكثر.” لم أذكر أنني كنت لا أزال هنا لأن كيزيس لم يرَ أنه من المناسب أن يأخذني بعد. قالت ماير فقط إنه ينبغي لي أن أستريح وأتعافى، وعندما أكون مستعدًا، سيلتقي بي زوجها.
كانت وحوش الأزوراس قوية بالطبع، لكن أغلبها كانت أقل قوة بكثير من كيزيس أو ألدير، أو حتى وندسوم. التنانين التي دافعت عن ديكاثين – فاجراكور، تشارون، وجنودهما – أقوياء أيضًا مقارنة بالتنين العادي الذي يمارس أعماله اليومية في إيفربورن. هؤلاء الناس هم مزارعون وتجار وخادمات. ذات يوم، كنت أفترض أن كل أزوراس كان بنفس قوة وندسوم، ورغم أنني الآن أعرف بشكل أفضل، إلا أنه كان لا يزال من المثير للاهتمام رؤية أزوراس أقوى قليلًا من ساحر النواة البيضاء.
‘هذا يضع محنتهم في منظور مختلف، أليس كذلك؟’ سألتني سيلفي بصوتها الذي يشبه نسيمًا باردًا. كانت أفكارها متشابكة مع تركيزها على محادثة كانت تجريها مع مجموعة من التنانين على الجانب الآخر من إيفربورن.
تجمدت في مكانها، ووضعت يديها على نصف شعرها بينما كانت تحاول سحبه إلى الخلف في شكل ذيل. “ماذا؟”
“مثلهم كمثل أهل ألاكريا، فإنهم شعب تحت رحمة سيدهم،” أجبت وأنا أمر بجانب تنينة صغيرة بدت، وفقًا للمعايير البشرية، أنها لا تتجاوز عمرها اثني عشر أو ثلاثة عشر عامًا. قفزت عيناها الكهرمانيتان بيني وبين الأرض عند قدميها بتردد وهي تحاول ألا تحدق بي ولكنها فشلت. رفعت يدي لألوح، لكنها سارعت بالابتعاد.
مع شروق شمس إيفيوتان، انضممتُ إلى العديد من التنانين الذين تجمعوا للتأمل حول النافورة التي منحت مدينة إيفربورن اسمها. في الأيام الأولى، كنت أراقب التنانين حولي، مفتونًا بتنوعها. جعلتني هذه المدينة أدرك كم رأيت القليل من عالم الأزوراس. لكن الآن، مع إحساس “مناورة الملك” المحترق على أسفل ظهري، كنت أنتبه لمحيطي بجزء محدود من وعيي، وكان ذلك فقط لضمان سلامتي وليس للتحديق في الأزوراس.
‘ما رأيك في السيدة إنثيراه؟’
انحنيتُ قليلًا. “سيدة إنثيراه. اغفري لي، لم أكن أدرك أنني أتحدث إلى نبيلة.”
‘لست متأكدًا،’ اعترفت بذلك. ‘يبدو أنها حريصة. فضولية. ليست مولعة بجدك بشكل خاص. لماذا؟’
‘كنت أتساءل عن ذلك الشيء الذي قالته. أن عشيرتها كانت بمثابة ‘أخت’ لعائلة إندراث. من الغريب أن ماير قدمتني إلى تنانين أخرى هنا، ولكن ليس إليها.’
“نعم، أحسنت يا أميرة تيسيا،” قال صوت من مكان قريب.
لقد حيرني هذا الأمر بسبب فرع أقل أهمية من أفكاري التي تغذيها مناورة الملك. ‘ربما يتعين عليك التعرف على برياه أكثر.’
“يبدو الأمر وكأنه حياة أخرى،” قالت تيس. توقفت كما لو أنها فوجئت بكلماتها الخاصة. “أعتقد أن هذا ربما لا يناسبك. لأنك عشت حياتين.”
وافقت رابطتي بصمت.
كنت على علم بقدرات نيكو، التي اكتسبها من خلال عصا صممها بنفسه على ما يبدو. وكان من المؤسف أن العصا دُمرت أثناء المعركة. لم يكن لدي أدنى شك في أن جادون وإميلي كانا ليحبا دراستها.
وبعد بضع دقائق، وجدت والدتي جالسة على طاولة في الفناء الأمامي الصغير لمنزلنا المستعار. وضعت كوبًا ساخنًا وابتسمت لي. ورغم أن تعبيرها كان دافئًا، إلا أن القلق كان يختبئ بداخلها مثل الديدان في التفاحة. قالت وهي تشير إلى الكرسي المقابل للطاولة الصغيرة، “آرثر، أتجلس معي؟”
“لا، لكنها جميلة،” قالت ببساطة. “كنت أتمنى أن يأتي شخص ما ويتطوع لتثقيفني حول نباتات إيفيوتان، لكن التنانين ابتعدت عني لحد اللحظة.”
“بالطبع.” جلست على الكرسي المصنوع من عشب أزرق منسوج مربوط بإطار معدني. “هل كل شيء على ما يرام؟”
“كنت أتوقع أن تكون حفيدتي معك،” قال كيزيس من خلفي. بدأ الفضاء يطوي حولي، وللحظة، استطعت رؤية كل من الحديقة وداخل برج كيزيس الذي يحتوي على طريق البصيرة. “لكن لا بأس. لدينا الوقت لذلك لاحقًا.”
أسندت أمي مرفقيها على الطاولة، وأراحت ذقنها بين يديها، ونظرت إليّ بجدية. “لا.”
في غضون ساعة، امتلأ جسدي بالكامل. كان هناك ما يشبه صداع الكحول الذي استمر في جسدي نتيجة لرد الفعل العنيف، ولكنني كنت على يقين من أن هذا الصداع سوف يتلاشى مع الوقت. والأمر الأكثر إرضاءً هو أن حكة جسدي الجريح لم تعد إليه. فقد شُفيت ندبة هجوم سيسيليا.
تسارعت نبضات قلبي، وشددت قبضتي على جانبي. “هل حدث شيء؟ هل كان التنانين؟ فقط أخبريني من-”
“ولكن ماذا عن الغرض الجوهري للأثير؟” سألتني وهي تتكئ نحوي قليلًا. “ألا تشعر بجاذبية نية الأثير؟”
“أنت، آرثر،” قالت.
قالت تيسيا دون أن تنظر إلى الوراء، “توجد حديقة هادئة أسفل الشارع هناك.”
فتحت فمي بدهشة نحوها، “ماذا؟”
تجعدت عيناها في الزوايا من البهجة. “لقد أخذتَ قسطًا من الراحة في قريتي منذ أيام، واستمديتَ قوتك من نبعتي، ومع ذلك لا تعرفني؟ سأشعر بالإهانة، إذا لم أكن أعرف أنك قد عُزلتَ عن هذه المعرفة عمدًا. لا شك أن السيدة إندرات كانت لديها أسبابها، لكنها أيضًا لم تمنعني من التحدث إليك. اسمي برياه من عشيرة إنثيراه، وإيفربورن هي منطقتي.”
“آرثر، آرت.” أطلقت نفسًا مرتجفًا. “تيسيا تحتاجك، وأنت تفعل كل ما بوسعك لتجنبها. هذا ليس لائقًا. إنه ليس عادلًا.”
“إذن، ما الذي يدور في ذهنك؟” رفعت حاجبها لأعلى. “ما لم يكن هذا الحديث عن التدريب مجرد خدعة لإبقائي وحدي في هذا المنزل…”
فركت مؤخرة رقبتي، وهززت الكرسي على رجليه الخلفيتين. “أنا لست-”
أومأتُ برأسي فقط تعبيرًا عن تقديري قبل أن أعود إلى النافورة. أغمضت عينيَّ مرة أخرى، واستأنفت التركيز على امتصاص الأثير. من بعيد، شعرت بسيدة عشيرة إنثيراه تبتعد.
ارتفع حاجبا أمي.
“أنا… لا أعرف كيف أكون بجوارها،” اعترفتُ، ولم أستطع أن أنظر في عيني أمي. “لا أعرف ماذا أقول.”
مدت يدها عبر الطاولة ورفعت راحتي يديها إلى الأعلى. وضعت يدي فوق يديها، وضغطت على أصابعي. “لقد مرت تلك الفتاة بشيء لا يمكن وصفه. لقد سُلب منها جسدها وسحرها. أصبحت أسيرة في جسدها. وعندما استعادته أخيرًا، اختفت نواتها. كادت تموت.”
“ارفعي ذراعيك إلى جانبك،” أمرتها وأنا أتحرك للوقوف خلفها.
“لقد أنقذتها،” أشرتُ بهدوء.
صفت برياه حلقها ونفضت خصلة من شعرها الوردي عن وجهها. “حسنًا… نعم. بالطبع. سأتركك تتأمل. ربما يمكننا التحدث مرة أخرى. عندما تشعر بتحسن.”
نقرت أمي بلسانها. “لكن بفعل ذلك، مر جسدها بتغيير. إنها لا تعرف كيف تستخدم نواتها الجديدة، وهي عالقة في مكان غريب حيث لا يمكن لأحد سواك أن يأمل في فهمها أو مساعدتها، وقد قضيت أيامًا تحاول أن تكون في أي مكان باستثناء المكان الذي توجد فيه.” تنهدت، وضغطت على يدي للمرة الأخيرة، واتكأت إلى الخلف على كرسيها. فقط بعد أن أخذت رشفة من الكوب الخاص بها واصلت. “أنت أقوى شخص عرفتُه على الإطلاق، آرثر. يمكنك التعامل مع القليل من الحرج.”
ارتفعت الحرارة في وجهي وشعرت باحمرار خدي. كانت محقة بالطبع.
ارتفعت الحرارة في وجهي وشعرت باحمرار خدي. كانت محقة بالطبع.
لقد كنت أتصرف مثل طفل.
“غريب،” قالت. تتبعت أصابعها الفجوة بين حجرين من حجارة الرصف، وفقدت عيناها التركيز وهي تنظر إلى المسافة المتوسطة. “وهذا بالطبع هو السبب وراء استثمار اللورد إندراث في عالمك. إنه يسعى إلى فهم حقيقي لقدراتك.” ركزت عليَّ مرة أخرى، وعقدت حاجبيها في عبوس خافت. “تتحدث أقدم أساطيرنا عن تنانين يمكنها القيام بما تصفه. ليس… امتصاص الأثير، ولكن استخدامه بسهولة مثل المانا.”
“حتى الكوارث المتحركة تحتاج إلى نصيحة من أمهاتها من وقت لآخر،” كما قال ريجيس.
اتسعت عينا تيسيا وهي تنظر إلى شيء ما خلف كتفي. ثم تراجعت خطوة سريعة عني وعدلّت تنورتها. لم أكن بحاجة إلى الالتفات لمعرفة من تحدث.
على الرغم من أن أفكاري المتوافقة كانت تدور حول مواضيع مختلفة، إلا أنني كنت حريص على إبعادها جميعًا عن علاقتي بريجيس. لقد تُرِك ليراقب تيسيا، ولم أكن أرغب في رؤيتها وهي تكافح من خلال عينيه.
ارتفعت الحرارة في وجهي وشعرت باحمرار خدي. كانت محقة بالطبع.
ووقفت وتحركت حول الطاولة وانحنيت لأريح جبهتي على جبهتي أمي. وقلت بصوت خافت، “شكرًا لك.”
بدلاً من ذلك، بقيت صامتًا. هذه رحلتها. أنا… لم يكن عليّ سوى أن أكون حاضرًا.
“ما فائدة الأمهات؟” سألتني وهي تتظاهر بالغضب ولكنها غير قادرة على إخفاء ابتسامتها. “لا أستطيع أن أخبرك بما سيحدث في النهاية، آرثر. ربما مررت أنت وتيسيا بالكثير حقًا لدرجة أنه لا يمكنك أن تكونا… معًا، عاطفيًا.” ابتعدت، متألمًا من حرج والدتي. صفعتني على ذراعي مازحة. “لكنها أقدم صديقة لك في هذا العالم، وهي بحاجة إليك.” تحولت ابتسامتها إلى شيءٍ شقي. “وجودك، وإرشادك. وليس سهامك المتموجة.”
ارتفع حاجبا أمي.
“أمي،” تأوهت وأنا أسرع نحو الباب. “سأتراجع عن شكري لك.” “لا، ما أنت بفاعل ذلك!” صرخت ساخرة ووبختني.
“نعم، إنه مثير للإعجاب حقًا.”
دفعتُ الستارة جانبًا، وسرت إلى داخل العقار فقط لأتوقف على الفور، بينما كنت لا أزال أتصارع مع استفزازات والدتي، وفجأة وجدت نفسي تقريبًا وجهًا لوجه مع تيسيا.
“هل أنا في حياتي الثالثة إذن؟” فركت يديها على زهرة ذهبية. ارتفعت حبوب اللقاح المتلألئة في الهواء، ودارت حول ذراعها مثل سرب من النحل، ثم استقرت مرة أخرى في الزهرة المنتفخة. “إني هازمتك.”
قالت إيلي وهي تمر بجانبي وترفع الستارة التي ما زالت تتأرجح، “اعتقدت أننا سمعناك هناك. كنا سنذهب للحصول على شيء ما لنأكله قبل القيام ببعض التدريبات بعد الظهر. يجب أن تأتي معنا!”
عندما جاءت حول الزاوية، لم أستطع إلا أن أضحك.
هرول ريجيس مسرعًا وخرج من الباب، وذيله يهزه. “أعلم أننا لسنا بحاجة إلى تناول الطعام، يا أميرتي، لكنني على الأقل أحبه حقًا!”
“أمي،” تأوهت وأنا أسرع نحو الباب. “سأتراجع عن شكري لك.” “لا، ما أنت بفاعل ذلك!” صرخت ساخرة ووبختني.
نظرت تيسيا على مضض بعيدًا عني نحو ريجيس. “أميرة؟” هززتُ رأسي. “لا تسألي.”
“أوه، حسنًا،” قالت، ووجهها يرتجف. “أممم، ليس عليك أن تأتي معنا، أعلم أنك مشغول…”
“هل أنا في حياتي الثالثة إذن؟” فركت يديها على زهرة ذهبية. ارتفعت حبوب اللقاح المتلألئة في الهواء، ودارت حول ذراعها مثل سرب من النحل، ثم استقرت مرة أخرى في الزهرة المنتفخة. “إني هازمتك.”
“في الواقع، كنت، آه…” توقفت عن الكلام، وذهني فارغ. أدركت أنني نسيت الاستمرار في توجيه مناورة الملك. بدونها، شعرت أن أفكاري بطيئة وغير جوهرية. هززت نفسي قليلًا، وأنا مدرك تمامًا لعيني إيلي على ظهري. “قصدي – أعني، كنت آمل أن نتمكن من… العمل معًا. على نواتك. في مساعدتك على فهم الأمر، ذلك ما عنيت.”
‘ما رأيك في السيدة إنثيراه؟’
“أوه!” اتسعت عينا تيسيا، وتراجعت خطوة صغيرة إلى الوراء. “بالطبع. أنا لست جائعة للغاية، يمكنني التدرب الآن.”
“لقد قلتِ للتو أنك جائعة،” قالت إيلي. نظرتُ إليها، فحدقت فيّ بغضب. “آرثر ليوين. لا تجرؤ على إجبارها على التدرب بدون غداء.”
“سأحضّر شيئًا ما هنا بسرعة كبيرة،” قالت تيسيا وهي تستدير وتركض إلى المطبخ. “امْضي قُدُمًا، إيلي!”
دفعتُ الستارة جانبًا، وسرت إلى داخل العقار فقط لأتوقف على الفور، بينما كنت لا أزال أتصارع مع استفزازات والدتي، وفجأة وجدت نفسي تقريبًا وجهًا لوجه مع تيسيا.
“حسنًا، سأذهب لتناول الغداء بمفردي إذن،” قالت إيلي بهدوء، ورفعت يديها وتركت الستارة تسقط على المدخل.
‘لست متأكدًا،’ اعترفت بذلك. ‘يبدو أنها حريصة. فضولية. ليست مولعة بجدك بشكل خاص. لماذا؟’
“مرحبًا، ماذا أنا، كبد مفروم؟” سمعت ريجيس يقول من الخارج وهو يتبع أختي. “هل لا أحد يريد قضاء الوقت معي؟”
كنت على علم بقدرات نيكو، التي اكتسبها من خلال عصا صممها بنفسه على ما يبدو. وكان من المؤسف أن العصا دُمرت أثناء المعركة. لم يكن لدي أدنى شك في أن جادون وإميلي كانا ليحبا دراستها.
لقد فقدت تبادل الحديث معهما عندما اشتد نبضي حتى أصبح دقات الطبل تضرب أذني. تبعت تيسيا إلى المطبخ وتظاهرت بعدم المشاهدة بينما تلتهم بسرعة قطعتين من الخبز المغطى بالزبدة والعسل. كان ظهرها لي، ولم أكن أعتقد أنها لاحظت وجودي. وعندما بدأت تستدير، انحنيت للخارج من المطبخ وانتظرت.
وبينما أسير عبر شوارع إيفربورن الواسعة باتجاه العقار الذي كنا نقيم فيه خلال الأيام القليلة الماضية، تبعتني عيون كل أزوراس مررت به. وجدت نفسي أدرس توقيعات المانا الخاصة بهم، وأقارن كل واحد منهم بالآخر ثم بتيسيا، التي ظل توقيعها عالقًا في ذهني.
عندما جاءت حول الزاوية، لم أستطع إلا أن أضحك.
وبينما أسير عبر شوارع إيفربورن الواسعة باتجاه العقار الذي كنا نقيم فيه خلال الأيام القليلة الماضية، تبعتني عيون كل أزوراس مررت به. وجدت نفسي أدرس توقيعات المانا الخاصة بهم، وأقارن كل واحد منهم بالآخر ثم بتيسيا، التي ظل توقيعها عالقًا في ذهني.
تجمدت في مكانها، ووضعت يديها على نصف شعرها بينما كانت تحاول سحبه إلى الخلف في شكل ذيل. “ماذا؟”
تقدمتُ للأمام، ونظفت الفتات من زاوية فمها. “ليس من عادتك أن تتسببي في مثل هذه الفوضى أثناء تناول الطعام.”
رفعت إحدى حاجبيها الحادتين قليلًا وهي تسحب منديلًا وتمسح به زوايا فمها. “يتعين عليَّ أن أكون أكثر حذرًا، لأنني لم أعد الأميرة الوحيدة الموجودة هنا.”
وقفت ومددت يدي إليها وقلت لها، “هل يمكنني أن أجرب شيئًا؟”
أطلقتُ ضحكة مفاجئة، واختفى التوتر.
“أنت، آرثر،” قالت.
“إذن، ما الذي يدور في ذهنك؟” رفعت حاجبها لأعلى. “ما لم يكن هذا الحديث عن التدريب مجرد خدعة لإبقائي وحدي في هذا المنزل…”
أدركت أنني كنت عابسًا. كنت أفكر في الأحداث التي تسببت في تراجع الأثير عن التنانين، مما قلل من قدرتهم على استخدامه بحرية. حاولت أن أجعل ملامحي ناعمة. “أنا… أعتذر. ما زلت أتعافى من محنة. في بعض الأحيان… يدور ذهني.”
اختنقت بضحكتي، ولحظة فكرت أن ثقل التوتر الذي عاد إلي قد يسحقني. تذكرت ما قالته أمي، وبذلت قصارى جهدي للتخلص منه. كل ما أحتاجه هو أن أكون حاضرًا. “حسنًا، فكرت، بما أنك أصبحت الآن ذات نواة بيضاء، يجب أن تتعلمي كيفية الطيران. إنه امتداد طبيعي لقوتك، يوفر من خلال توسعة خزان المانا لديك وزيادة الانسجام مع… حركة المانا…” انتشرت ابتسامة حزينة على وجهي وأنا أفرك مؤخرة رقبتي. “آسف. ربما لا تحتاجي إلى محاضرة حول سبب قدرتك على الطيران الآن، بالنظر إلى ذلك.”
“أوه، حسنًا،” قالت، ووجهها يرتجف. “أممم، ليس عليك أن تأتي معنا، أعلم أنك مشغول…”
لم أستطع قراءة التعبير على وجه تيسيا. رمقت عيناها يدي وكأنها تفكر في أخذ واحدة، ولكن بعد لحظة مرت بجانبي، متوجهة نحو الباب. “أنا أفهم كيف تطير الرماح، وأفهم كيف تطير سيسيليا، ولكن ربما تساعدني هذه المعرفة النظرية على فهم كيف يمكنني الطيران.”
رفعت كلتا يدي. قلت وأنا أتعثر في كلماتي، “من فضلك يا محب… آه، تيسيا، أي شيء غير ذلك.”
فجأة تمنيت أن أتمكن من عكس اتجاه الزمن كما فعلت في حجر الأساس، فتبعتها ببطء إلى الخارج تحت أشعة الشمس. كانت أمي وإيلي وريجيس قد رحلوا بالفعل.
“يبدو الأمر وكأنه حياة أخرى،” قالت تيس. توقفت كما لو أنها فوجئت بكلماتها الخاصة. “أعتقد أن هذا ربما لا يناسبك. لأنك عشت حياتين.”
قالت تيسيا دون أن تنظر إلى الوراء، “توجد حديقة هادئة أسفل الشارع هناك.”
هرول ريجيس مسرعًا وخرج من الباب، وذيله يهزه. “أعلم أننا لسنا بحاجة إلى تناول الطعام، يا أميرتي، لكنني على الأقل أحبه حقًا!”
سرنا في صمت، ومررنا بعقار مترامي الأطراف من ثلاثة طوابق مفتوح بالكامل تقريبًا على العناصر الطبيعية، وكوخ أصغر به بركة أمامية مليئة بالأسماك الذهبية المتلألئة، وعظام منزل عارية بدا وكأنه هُدم ويجري حاليًا إعادة بنائه – حسنًا، أو بالأحرى إعادة نموه – بواسطة تنينين. كانت حركتهما تستحضر حجارة بيضاء من الأرض مثل أضلاع وحش عظيم.
توقفت تيسيا لمراقبتهم وهم يعملون لبضع ثوان. “إنه مثل… الشعر في السحر.”
“إذن، ما الذي يدور في ذهنك؟” رفعت حاجبها لأعلى. “ما لم يكن هذا الحديث عن التدريب مجرد خدعة لإبقائي وحدي في هذا المنزل…”
“نعم، إنه مثير للإعجاب حقًا.”
قالت إيلي وهي تمر بجانبي وترفع الستارة التي ما زالت تتأرجح، “اعتقدت أننا سمعناك هناك. كنا سنذهب للحصول على شيء ما لنأكله قبل القيام ببعض التدريبات بعد الظهر. يجب أن تأتي معنا!”
نظرت إليّ مرة أخرى بنفس التعبير الذي لا يمكن قراءته، ثم تابعت طريقها. انزلقنا عبر فجوة في سياج طويل إلى يميننا ووجدنا أنفسنا في حديقة مسورة. نمت عشرات الأنواع المختلفة من الزهور، وكلها غريبة بالنسبة لي. تحرك القليل منها، وتبعتنا بتلاتها مثل دوار الشمس الذي يتجه نحو دفء الشمس. تراكبت عدة روائح، حلوة ومرة، فوق بعضها البعض.
على الرغم من أن أفكاري المتوافقة كانت تدور حول مواضيع مختلفة، إلا أنني كنت حريص على إبعادها جميعًا عن علاقتي بريجيس. لقد تُرِك ليراقب تيسيا، ولم أكن أرغب في رؤيتها وهي تكافح من خلال عينيه.
“هل تعرفين أيًا من هذه؟” سألتُ، فقط أريد أن أقول شيئًا.
“ما زلتُ هنا،” أكدتُ لها وهي تبتعد عن لمستي. ببطء، بدأت أعود نحو الأرض مرة أخرى.
“لا، لكنها جميلة،” قالت ببساطة. “كنت أتمنى أن يأتي شخص ما ويتطوع لتثقيفني حول نباتات إيفيوتان، لكن التنانين ابتعدت عني لحد اللحظة.”
تقدمتُ للأمام وأمسكت بها بسلاسة قبل أن ترتطم بالأرض. ارتعشت شفتاي من شدة الانفعال. “لقد قمت بعمل رائع، تيس. حقًا. كان ذلك-”
تذكرتُ المحادثة التي دارت بيني وبين سيدة المدينة في وقت سابق من ذلك الصباح. “أعتقد أن هذا من فعل مير. أو كيزيس، على وجه التحديد. لست متأكدًا من سبب بقائنا هنا حتى الآن. إما أنه يسمح لنا بالاستلقاء على نار هادئة، أو أنه يريد منا أن نستفيد شيئًا من وقتنا هنا. وإلا لكنا في قصره في مكان ما. ربما في كوخ مير، حيث بقيت عندما دربتني قبل الحرب.”
“يبدو الأمر وكأنه حياة أخرى،” قالت تيس. توقفت كما لو أنها فوجئت بكلماتها الخاصة. “أعتقد أن هذا ربما لا يناسبك. لأنك عشت حياتين.”
“بطريقة ما، وأنت كذلك،” قلتُ بهدوء. انحنيتُ أمام بصلة أرجوانية سميكة الساق. كانت لها هالة أثيرية خافتة. “لقد عشتِ حياة سيسيليا إلى جانبها.”
فجأة تمنيت أن أتمكن من عكس اتجاه الزمن كما فعلت في حجر الأساس، فتبعتها ببطء إلى الخارج تحت أشعة الشمس. كانت أمي وإيلي وريجيس قد رحلوا بالفعل.
“هل أنا في حياتي الثالثة إذن؟” فركت يديها على زهرة ذهبية. ارتفعت حبوب اللقاح المتلألئة في الهواء، ودارت حول ذراعها مثل سرب من النحل، ثم استقرت مرة أخرى في الزهرة المنتفخة. “إني هازمتك.”
“إنه أمر غريب. لقد قضت سيسيليا الكثير من الوقت في الطيران، ولكن من الصعب مقارنة استخدامها لهذه القدرة بقدرتي.” نظرت تيسيا إلى السماء. “لقد طارت ببساطة. من ناحية أخرى، ألقى نيكو تعويذة ريح حملته مثل عربة غير مرئية.”
“لا تركزي. اشعري. اشعري بالريح الباردة، والهواء الدافئ، والمانا الحاضرة دائمًا.” ارتفعنا عن الأرض. استطعت أن أشعر بالمانا تتحرك بسبب جهدها، لكنها لم تعمل. أطلقت بعضًا من الأثير الخاص بي، ومن خلاله شجعتُ المانا على التحرك حول تيسيا، ودفعتها ناحيتها ووفرت لها الرفع. “هكذا.”
“إذا نظرت إلى حجر الأساس، فقد عشت عشرات الحيوات، ورأيت مسار عدد لا يحصى من الحيوات الأخرى.” خرجت الكلمات دون تفكير، وشعرت بتأثيرها على الفور.
سرت في جسدها قشعريرة متوترة. قالت وهي تلهث بصوت مرتجف من الإثارة والتوتر، “لا تتركني.”
ألقيت نظرة من فوق كتفي، فوجدتُ تيسيا بلا حراك، وعيناها مثبتتان في مكان بين سريرين من الزهور.
هزت نفسها قليلًا ثم استقامت. “كم عمرك الآن؟ بضع مئات من السنين؟ بضعة آلاف؟ يبدو أنك أصبحت أكثر أزوراسي من بشري الآن.”
“لا تحاولي التحكم في المانا وتشكيلها حولك بهذا الشكل،” حذرتها بلطف. “بدلًا من ذلك، فكري ببساطة في الارتفاع عبر الهواء. أريديه، كما فعلت سيسيليا. لن تمتلكي قدرتها الفطرية، لكن لديك بعض من بصيرتها. استغليها.”
“ربما. إذا كان مجموع عمر حياتي التي عشتها على الأرض وحياتي هنا يمثل العمر الحقيقي لعقلي، فربما يجب أن يكون الوقت الذي أمضيته في حجر الأساس كذلك.”
“آرثر، آرت.” أطلقت نفسًا مرتجفًا. “تيسيا تحتاجك، وأنت تفعل كل ما بوسعك لتجنبها. هذا ليس لائقًا. إنه ليس عادلًا.”
نظرت إليَّ تيسيا بنظرة حزينة، وحاجبيها منسدلين، وشفتيها متوردتين وشاحبتين. “أنا آسفة، آرثر. أعلم أننا قطعنا وعدًا، لكنني لا أعتقد أنني أستطيع أن أكون مع شخص أكبر مني بآلاف السنين.”
“لقد عدتَ مرة أخرى، يا إنسان.”
ضحكتُ، وكافأتني بابتسامة صادقة. “أطلبُ منك فقط ألا تتخذي قرارات متسرعة، يا أميرة إيراليث.”
بوضع خصلة من شعرها الرمادي خلف أذنها، ابتعدت عن تيسيا. “يبدو أننا سنضطر إلى مواصلة هذا الدرس لاحقًا. ربما تستطيع سيلفي أن تقدم لكِ المزيد من التعليمات في غيابي.”
“آرثر، آرت.” أطلقت نفسًا مرتجفًا. “تيسيا تحتاجك، وأنت تفعل كل ما بوسعك لتجنبها. هذا ليس لائقًا. إنه ليس عادلًا.”
دارت عينيها وقالت، “ها أنت ذا، مرة أخرى، تتحدث عن الأميرة. نادني تيس، أو تيسيا، أو… محبوبتي، ربما. أي اسم آخر غير الأميرة، وإلا فسأختار اسم ريجيس لك في المقابل.”
“لا تحاولي التحكم في المانا وتشكيلها حولك بهذا الشكل،” حذرتها بلطف. “بدلًا من ذلك، فكري ببساطة في الارتفاع عبر الهواء. أريديه، كما فعلت سيسيليا. لن تمتلكي قدرتها الفطرية، لكن لديك بعض من بصيرتها. استغليها.”
لقد فقدت تبادل الحديث معهما عندما اشتد نبضي حتى أصبح دقات الطبل تضرب أذني. تبعت تيسيا إلى المطبخ وتظاهرت بعدم المشاهدة بينما تلتهم بسرعة قطعتين من الخبز المغطى بالزبدة والعسل. كان ظهرها لي، ولم أكن أعتقد أنها لاحظت وجودي. وعندما بدأت تستدير، انحنيت للخارج من المطبخ وانتظرت.
رفعت كلتا يدي. قلت وأنا أتعثر في كلماتي، “من فضلك يا محب… آه، تيسيا، أي شيء غير ذلك.”
هبت ريح من الهواء جعلت شعرها يرفرف وهزته للخلف قليلًا. ثم أطلقت ضحكة متوترة وقالت،”أعتقد… أعتقد أنني مستعدة لتجربة ذلك بنفسي.”
نتف شعرها المعدني، الذي كان يلمع باللون الفضي تقريبًا في ضوء الحديقة الخافت. “حسنًا، إذن. بعد أن حسمنا الأمر، هل نبدأ درس الطيران؟”
انتقلت إلى رقعة صغيرة من العشب وسط الزهور والمسارات وعناصر المياه. جلست في وضع القرفصاء، وهدأت ذهني وركزت على جوهر جسدي والأثير الجوي، الذي كان كثيفًا في الهواء. جلست تيسيا أمامي، مقلدة وضعيتي.
‘ما رأيك في السيدة إنثيراه؟’
من السائل الزائف المغلي، كانت تتصاعد نفاثات رفيعة من النار الأرجوانية مثل الينابيع الحارة. ترتفع هذه النفاثات تتصاعد لأكثر من عشرة أقدام، ثم تتلاشى حتى تصبح بضعة أقدام فقط، ثم تتصاعد مرة أخرى. كان هناك نمط معقد لتلك الاندفاعات، مصحوبًا بنبع ماء مفرد في وسط النافورة الأثيرية المحترقة التي كانت ترتفع بانتظام إلى أكثر من عشرين قدمًا فوق رؤوسنا. كان كل توهج مصحوبًا بتدفق الأثير، وكان هذا التدفق هو ما جمع التنانين للتأمل تحته.
“الطيران ليس مثل إلقاء تعويذة،” بدأت وأنا أحملق في تيسيا. “أنت لا تشكلي المانا في عقلك، وتعطيها غرضًا وهدفًا. بدلًا من ذلك، فإن حسك المعزز للمانا والقدرة على التلاعب بالمانا الجوي من حولك دون وعي تقريبًا من خلال القفزة في القوة من النواة الفضية إلى النواة البيضاء تسمح لك بإنشاء دفعة بينما تدعم المانا جسدك جسديًا. يمكن القيام بذلك قبل الوصول إلى النواة البيضاء بالتدريب والصبر، ولكن حتى الساحر ذو النواة الفضية العالية قد يستنزف نواة جسده في لحظات.”
“إذن، ما الذي يدور في ذهنك؟” رفعت حاجبها لأعلى. “ما لم يكن هذا الحديث عن التدريب مجرد خدعة لإبقائي وحدي في هذا المنزل…”
“إنه أمر غريب. لقد قضت سيسيليا الكثير من الوقت في الطيران، ولكن من الصعب مقارنة استخدامها لهذه القدرة بقدرتي.” نظرت تيسيا إلى السماء. “لقد طارت ببساطة. من ناحية أخرى، ألقى نيكو تعويذة ريح حملته مثل عربة غير مرئية.”
لقد كنت أتصرف مثل طفل.
كنت على علم بقدرات نيكو، التي اكتسبها من خلال عصا صممها بنفسه على ما يبدو. وكان من المؤسف أن العصا دُمرت أثناء المعركة. لم يكن لدي أدنى شك في أن جادون وإميلي كانا ليحبا دراستها.
“تعال يا آرثر، لقد حان الوقت لمناقشة الأحداث الأخيرة.”
“لا تحاولي التحكم في المانا وتشكيلها حولك بهذا الشكل،” حذرتها بلطف. “بدلًا من ذلك، فكري ببساطة في الارتفاع عبر الهواء. أريديه، كما فعلت سيسيليا. لن تمتلكي قدرتها الفطرية، لكن لديك بعض من بصيرتها. استغليها.”
اختنقت بضحكتي، ولحظة فكرت أن ثقل التوتر الذي عاد إلي قد يسحقني. تذكرت ما قالته أمي، وبذلت قصارى جهدي للتخلص منه. كل ما أحتاجه هو أن أكون حاضرًا. “حسنًا، فكرت، بما أنك أصبحت الآن ذات نواة بيضاء، يجب أن تتعلمي كيفية الطيران. إنه امتداد طبيعي لقوتك، يوفر من خلال توسعة خزان المانا لديك وزيادة الانسجام مع… حركة المانا…” انتشرت ابتسامة حزينة على وجهي وأنا أفرك مؤخرة رقبتي. “آسف. ربما لا تحتاجي إلى محاضرة حول سبب قدرتك على الطيران الآن، بالنظر إلى ذلك.”
جلسنا بلا حركة وصمتنا لعدة لحظات طويلة. دارت المانا حول تيسيا، لكنها لم تتحرك، لم ترتفع. تذكرت تعلمي للطيران لأول مرة بعد صعودي إلى مرحلة النواة البيضاء وتعلمي مجددًا بعد اكتسابي لبصيرة في مناورة الملك. فكرت في تفعيل رونية الحاكم، لأفكر بوضوح أكثر في المسار الذي يجب أن تتبعه تيسيا، لكن شيئًا ما منعني.
“ما فائدة الأمهات؟” سألتني وهي تتظاهر بالغضب ولكنها غير قادرة على إخفاء ابتسامتها. “لا أستطيع أن أخبرك بما سيحدث في النهاية، آرثر. ربما مررت أنت وتيسيا بالكثير حقًا لدرجة أنه لا يمكنك أن تكونا… معًا، عاطفيًا.” ابتعدت، متألمًا من حرج والدتي. صفعتني على ذراعي مازحة. “لكنها أقدم صديقة لك في هذا العالم، وهي بحاجة إليك.” تحولت ابتسامتها إلى شيءٍ شقي. “وجودك، وإرشادك. وليس سهامك المتموجة.”
“بالطبع.” جلست على الكرسي المصنوع من عشب أزرق منسوج مربوط بإطار معدني. “هل كل شيء على ما يرام؟”
بدلاً من ذلك، بقيت صامتًا. هذه رحلتها. أنا… لم يكن عليّ سوى أن أكون حاضرًا.
“أوه!” اتسعت عينا تيسيا، وتراجعت خطوة صغيرة إلى الوراء. “بالطبع. أنا لست جائعة للغاية، يمكنني التدرب الآن.”
مرت دقيقة، ثم خمس دقائق. وبعد ما يقرب من عشر دقائق، فتحت عينيها وقالت، “لا أفهم لماذا لا أستطيع القيام بذلك. لقد طِرتُ من قبل.”
وقفت ومددت يدي إليها وقلت لها، “هل يمكنني أن أجرب شيئًا؟”
أمسكت بيدي ورفعت نفسها لأعلى، وكانت راحة يدها دافئة على راحة يدي. “بالطبع.”
“أوه!” اتسعت عينا تيسيا، وتراجعت خطوة صغيرة إلى الوراء. “بالطبع. أنا لست جائعة للغاية، يمكنني التدرب الآن.”
توقفت تيسيا لمراقبتهم وهم يعملون لبضع ثوان. “إنه مثل… الشعر في السحر.”
“ارفعي ذراعيك إلى جانبك،” أمرتها وأنا أتحرك للوقوف خلفها.
لقد فقدت تبادل الحديث معهما عندما اشتد نبضي حتى أصبح دقات الطبل تضرب أذني. تبعت تيسيا إلى المطبخ وتظاهرت بعدم المشاهدة بينما تلتهم بسرعة قطعتين من الخبز المغطى بالزبدة والعسل. كان ظهرها لي، ولم أكن أعتقد أنها لاحظت وجودي. وعندما بدأت تستدير، انحنيت للخارج من المطبخ وانتظرت.
صفت برياه حلقها ونفضت خصلة من شعرها الوردي عن وجهها. “حسنًا… نعم. بالطبع. سأتركك تتأمل. ربما يمكننا التحدث مرة أخرى. عندما تشعر بتحسن.”
نظرت تيسيا إليّ من فوق كتفها وهي تتبع تعليماتي. رفعتها من ذراعيها، وبدأنا نطير في الهواء. توترت ذراعاها بينما ارتفع وزن جسدها بالكامل عن الأرض.
“الطيران ليس مثل إلقاء تعويذة،” بدأت وأنا أحملق في تيسيا. “أنت لا تشكلي المانا في عقلك، وتعطيها غرضًا وهدفًا. بدلًا من ذلك، فإن حسك المعزز للمانا والقدرة على التلاعب بالمانا الجوي من حولك دون وعي تقريبًا من خلال القفزة في القوة من النواة الفضية إلى النواة البيضاء تسمح لك بإنشاء دفعة بينما تدعم المانا جسدك جسديًا. يمكن القيام بذلك قبل الوصول إلى النواة البيضاء بالتدريب والصبر، ولكن حتى الساحر ذو النواة الفضية العالية قد يستنزف نواة جسده في لحظات.”
“تعال يا آرثر، لقد حان الوقت لمناقشة الأحداث الأخيرة.”
“لا تركزي. اشعري. اشعري بالريح الباردة، والهواء الدافئ، والمانا الحاضرة دائمًا.” ارتفعنا عن الأرض. استطعت أن أشعر بالمانا تتحرك بسبب جهدها، لكنها لم تعمل. أطلقت بعضًا من الأثير الخاص بي، ومن خلاله شجعتُ المانا على التحرك حول تيسيا، ودفعتها ناحيتها ووفرت لها الرفع. “هكذا.”
تقدمتُ للأمام وأمسكت بها بسلاسة قبل أن ترتطم بالأرض. ارتعشت شفتاي من شدة الانفعال. “لقد قمت بعمل رائع، تيس. حقًا. كان ذلك-”
وبينما أسير عبر شوارع إيفربورن الواسعة باتجاه العقار الذي كنا نقيم فيه خلال الأيام القليلة الماضية، تبعتني عيون كل أزوراس مررت به. وجدت نفسي أدرس توقيعات المانا الخاصة بهم، وأقارن كل واحد منهم بالآخر ثم بتيسيا، التي ظل توقيعها عالقًا في ذهني.
فجأة، خف وزنها بين ذراعي. أطلقت قبضتي، وقدمت لها الدعم، لكنني لم أعد أتحمل وزنها.
كانت وحوش الأزوراس قوية بالطبع، لكن أغلبها كانت أقل قوة بكثير من كيزيس أو ألدير، أو حتى وندسوم. التنانين التي دافعت عن ديكاثين – فاجراكور، تشارون، وجنودهما – أقوياء أيضًا مقارنة بالتنين العادي الذي يمارس أعماله اليومية في إيفربورن. هؤلاء الناس هم مزارعون وتجار وخادمات. ذات يوم، كنت أفترض أن كل أزوراس كان بنفس قوة وندسوم، ورغم أنني الآن أعرف بشكل أفضل، إلا أنه كان لا يزال من المثير للاهتمام رؤية أزوراس أقوى قليلًا من ساحر النواة البيضاء.
الفصل 484: الأرض
سرت في جسدها قشعريرة متوترة. قالت وهي تلهث بصوت مرتجف من الإثارة والتوتر، “لا تتركني.”
“لا تركزي. اشعري. اشعري بالريح الباردة، والهواء الدافئ، والمانا الحاضرة دائمًا.” ارتفعنا عن الأرض. استطعت أن أشعر بالمانا تتحرك بسبب جهدها، لكنها لم تعمل. أطلقت بعضًا من الأثير الخاص بي، ومن خلاله شجعتُ المانا على التحرك حول تيسيا، ودفعتها ناحيتها ووفرت لها الرفع. “هكذا.”
“ما زلتُ هنا،” أكدتُ لها وهي تبتعد عن لمستي. ببطء، بدأت أعود نحو الأرض مرة أخرى.
صفت برياه حلقها ونفضت خصلة من شعرها الوردي عن وجهها. “حسنًا… نعم. بالطبع. سأتركك تتأمل. ربما يمكننا التحدث مرة أخرى. عندما تشعر بتحسن.”
هبت ريح من الهواء جعلت شعرها يرفرف وهزته للخلف قليلًا. ثم أطلقت ضحكة متوترة وقالت،”أعتقد… أعتقد أنني مستعدة لتجربة ذلك بنفسي.”
تقدمتُ للأمام، ونظفت الفتات من زاوية فمها. “ليس من عادتك أن تتسببي في مثل هذه الفوضى أثناء تناول الطعام.”
“استدري،” قلت وأنا أخفي ابتسامتي.
ووقفت وتحركت حول الطاولة وانحنيت لأريح جبهتي على جبهتي أمي. وقلت بصوت خافت، “شكرًا لك.”
هبت ريح من الهواء جعلت شعرها يرفرف وهزته للخلف قليلًا. ثم أطلقت ضحكة متوترة وقالت،”أعتقد… أعتقد أنني مستعدة لتجربة ذلك بنفسي.”
فعلت ذلك ببطء. تجعد وجهها وهي تنظر إلى الأمام مباشرة، ثم إلى الأسفل لرؤيتي. خرجت شهقة من شفتيها، واختفت المانا التي كانت تدعمها. سقطت.
على الرغم من أن أفكاري المتوافقة كانت تدور حول مواضيع مختلفة، إلا أنني كنت حريص على إبعادها جميعًا عن علاقتي بريجيس. لقد تُرِك ليراقب تيسيا، ولم أكن أرغب في رؤيتها وهي تكافح من خلال عينيه.
“أنا… لا أعرف كيف أكون بجوارها،” اعترفتُ، ولم أستطع أن أنظر في عيني أمي. “لا أعرف ماذا أقول.”
تقدمتُ للأمام وأمسكت بها بسلاسة قبل أن ترتطم بالأرض. ارتعشت شفتاي من شدة الانفعال. “لقد قمت بعمل رائع، تيس. حقًا. كان ذلك-”
أغمضتُ عينيّ، وسعيت إلى الأثير، وجذبته إلى نواتي. وأدى إحساسي به إلى طاقة مجددة ويقظة مشرقة.
“ولكن ماذا عن الغرض الجوهري للأثير؟” سألتني وهي تتكئ نحوي قليلًا. “ألا تشعر بجاذبية نية الأثير؟”
“نعم، أحسنت يا أميرة تيسيا،” قال صوت من مكان قريب.
توقفت التعويذة الأثيرية عند ندائي، وتلاشت الغرفة الحجرية العارية بينما كنت أبتعد عن قوة كيزيس، مثبتًا نفسي بقوة في حديقة إيفربورن. عندها فقط التفت لأرى سيد التنانين، لاحظت الارتعاشة الطفيفة في حاجبيه. “لماذا لا نطير؟ جبل جيولوس قريب بما فيه الكفاية، وأود أن أرى المزيد من أرضك الأرض.”
اتسعت عينا تيسيا وهي تنظر إلى شيء ما خلف كتفي. ثم تراجعت خطوة سريعة عني وعدلّت تنورتها. لم أكن بحاجة إلى الالتفات لمعرفة من تحدث.
صفت برياه حلقها ونفضت خصلة من شعرها الوردي عن وجهها. “حسنًا… نعم. بالطبع. سأتركك تتأمل. ربما يمكننا التحدث مرة أخرى. عندما تشعر بتحسن.”
هزت نفسها قليلًا ثم استقامت. “كم عمرك الآن؟ بضع مئات من السنين؟ بضعة آلاف؟ يبدو أنك أصبحت أكثر أزوراسي من بشري الآن.”
“تعال يا آرثر، لقد حان الوقت لمناقشة الأحداث الأخيرة.”
ألقيت نظرة من فوق كتفي، فوجدتُ تيسيا بلا حراك، وعيناها مثبتتان في مكان بين سريرين من الزهور.
“سأحضّر شيئًا ما هنا بسرعة كبيرة،” قالت تيسيا وهي تستدير وتركض إلى المطبخ. “امْضي قُدُمًا، إيلي!”
انطلق الأثير من قلبي إلى مناورة الملك. لم يكن كافيًا لتفعيل رونية الحاكم بالكامل واستدعاء تاج النور، لكنه كان كافيًا للسماح لأفكاري بالانقسام إلى عدة خيوط فردية. حسبت بسرعة أفضل طريقة للتعامل مع المواجهة.
ضحكتُ، وكافأتني بابتسامة صادقة. “أطلبُ منك فقط ألا تتخذي قرارات متسرعة، يا أميرة إيراليث.”
بوضع خصلة من شعرها الرمادي خلف أذنها، ابتعدت عن تيسيا. “يبدو أننا سنضطر إلى مواصلة هذا الدرس لاحقًا. ربما تستطيع سيلفي أن تقدم لكِ المزيد من التعليمات في غيابي.”
من الجانب الآخر من المدينة، دخل صوت ضامنتي إلى ذهني. “كن حذرًا، آرثر.”
رفعت كلتا يدي. قلت وأنا أتعثر في كلماتي، “من فضلك يا محب… آه، تيسيا، أي شيء غير ذلك.”
وبعد بضع دقائق، وجدت والدتي جالسة على طاولة في الفناء الأمامي الصغير لمنزلنا المستعار. وضعت كوبًا ساخنًا وابتسمت لي. ورغم أن تعبيرها كان دافئًا، إلا أن القلق كان يختبئ بداخلها مثل الديدان في التفاحة. قالت وهي تشير إلى الكرسي المقابل للطاولة الصغيرة، “آرثر، أتجلس معي؟”
“كنت أتوقع أن تكون حفيدتي معك،” قال كيزيس من خلفي. بدأ الفضاء يطوي حولي، وللحظة، استطعت رؤية كل من الحديقة وداخل برج كيزيس الذي يحتوي على طريق البصيرة. “لكن لا بأس. لدينا الوقت لذلك لاحقًا.”
“بالطبع.” جلست على الكرسي المصنوع من عشب أزرق منسوج مربوط بإطار معدني. “هل كل شيء على ما يرام؟”
“مرحبًا، ماذا أنا، كبد مفروم؟” سمعت ريجيس يقول من الخارج وهو يتبع أختي. “هل لا أحد يريد قضاء الوقت معي؟”
توقفت التعويذة الأثيرية عند ندائي، وتلاشت الغرفة الحجرية العارية بينما كنت أبتعد عن قوة كيزيس، مثبتًا نفسي بقوة في حديقة إيفربورن. عندها فقط التفت لأرى سيد التنانين، لاحظت الارتعاشة الطفيفة في حاجبيه. “لماذا لا نطير؟ جبل جيولوس قريب بما فيه الكفاية، وأود أن أرى المزيد من أرضك الأرض.”
“آرثر، آرت.” أطلقت نفسًا مرتجفًا. “تيسيا تحتاجك، وأنت تفعل كل ما بوسعك لتجنبها. هذا ليس لائقًا. إنه ليس عادلًا.”
أدركت أنني كنت عابسًا. كنت أفكر في الأحداث التي تسببت في تراجع الأثير عن التنانين، مما قلل من قدرتهم على استخدامه بحرية. حاولت أن أجعل ملامحي ناعمة. “أنا… أعتذر. ما زلت أتعافى من محنة. في بعض الأحيان… يدور ذهني.”
السلام عليكم شباب، معكم المترجم الجديد، سأمسك العمل لفترة، إذ ان سكرب – المترجم السابق – انسحب من الترجمة. لمن لا يعرفني فقد ترجمتُ “عرش الحالم” “حكايات عائد لانهائي” “جمرات البحر العميق” “بعض من فصول القس المجنون” “أسطورة النصل الشمالي” “سيادي الحكم”.
فجأة تمنيت أن أتمكن من عكس اتجاه الزمن كما فعلت في حجر الأساس، فتبعتها ببطء إلى الخارج تحت أشعة الشمس. كانت أمي وإيلي وريجيس قد رحلوا بالفعل.
ألقيت نظرة من فوق كتفي، فوجدتُ تيسيا بلا حراك، وعيناها مثبتتان في مكان بين سريرين من الزهور.
لو وجدتم مصطلحات مختلفة أعلموني في التعليقات. وبلا حرق يا شباب.
أطلقتُ ضحكة مفاجئة، واختفى التوتر.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات
